سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قوله تعالى: {وما مَنَعَنا أن نُرْسِل بالآيات} سبب نزولها فيه قولان:
أحدهما: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحِّي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إِن شئتَ أن تستأني بهم لعلَّنا نجتبي منهم، وإِن شئتَ نؤتيهم الذي سألوا، فان كفروا أُهلكوا كما أُهلك من كان قبلهم، قال: «لا، بل أستأني بهم»، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: قد ذكرناه عن الزبير في قوله: {ولو أن قرآناً سيِّرت به الجبال} [الرعد: 31]، ومعنى الآية: وما منَعَنا إِرسالَ الآياتِ التي سألوها إِلا تكذيبُ الأوّلين، يعني: أن هؤلاء سألوا الآيات التي استوجب بتكذيبها الأولونَ العذابَ، فلم يرسلها لئلا يكذِّب بها هؤلاء، فيهلكوا كما هلك أولئك، وسنَّة الله في الأمم أنهم إِذا سألوا الآيات ثم كذَّبوا بها عذَّبهم.
قوله تعالى: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} قال ابن قتيبة: أي: بَيِّنَةً، يريد: مُبْصَراً بها. قال ابن الأنباري: ويجوز أن تكون مبصِّرة، ويصلح أن يكون المعنى: مُبصِر مشاهدوها، فنسب إِليها فعل غيرها تجوُّزاً، كما يقال: لا أرينَّك هاهنا، فأدخل حرف النهي على غير المنهي عنه، إِذ المعنى لا تحضر هاهنا، حتى إِذا جئتُ لم أركَ فيه. ومن قرأ {مَبْصَرة} بفتح الميم والصاد، فمعناه: المبالغة في وصف الناقة بالتبيان، كقولهم: «الولد مَجْبَنة».
قوله تعالى: {فظلموا بها} قال ابن عباس: فجحدوا بها. وقال الأخفش: بها كان ظُلمهم.
قوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إِلا تخويفاً} أي: نخوِّف العباد ليتَّعظوا.
وللمفسرين في المراد بهذه الآيات أربعة أقوال.
أحدها: أنها الموت الذَّريع، قاله الحسن. والثاني: معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفاً للمكذبين. والثالث: آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي. والرابع: تقلُّب أحوال الإِنسان من صِغَرٍ إِلى شبابٍ، ثم إِلى كهولة، ثم إِلى مشيب، ليعتبر بتقلُّب أحواله فيخاف عاقبة أمره، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي، ونسبَ القولَ الأخير منها إِلى إِمامنا أحمد رضي الله عنه.


قوله تعالى: {وإِذ قلنا لك إِن ربك أحاط بالناس} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أحاط عِلمه بالناس، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الربيع بن أنس. وقال مقاتل: أحاط علمه بالناس، يعني: أهل مكة، أن يفتحها لرسوله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أحاطت قدرته بالناس، فهم في قبضته، قاله مجاهد.
والثالث: حال بينك وبين الناس أن يقتلوك، لتبلِّغ رسالته، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إِلا فتنة للناس} في هذه الرؤيا قولان:
أحدهما: أنها رؤيا عين، وهي ما رأى ليلة أُسري به من العجائب والآيات. روى عكرمة عن ابن عباس قال: هي رؤيا عين رآها ليلة أُسري به، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، ومسروق، والنخعي، وقتادة، وأبو مالك، وأبو صالح، وابن جريج، وابن زيد في آخرين. فعلى هذا يكون معنى الفتنة: الاختبار، فإن قوماً آمنوا بما قال، وقوماً كفروا. قال ابن الأنباري: المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة، ولا فرق بين أن يقول القائل: رأيت فلاناً رؤية، ورأيته رؤيا، إِلا أن الرؤية يقلُّ استعمالها في المنام، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين.
والثاني: أنها رؤيا منام. ثم فيها قولان. أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أُرِيَ أنه يدخل مكة، هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة، فعَجل قبل الأجل، فردَّه المشركون، فقال أناس: قد رُدَّ، وكان حدَّثَنَا أنه سيدخلها، فكان رجوعهم فتنتهم، رواه العوفي عن ابن عباس. وهذا لا ينافي حديث المعراج، لأن هذا كان بالمدينة، والمعراج كان بمكة. قال أبو سليمان الدمشقي: وإِنما ذكره ابن عباس على وجه الزيادة في الإِخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه، والمنافقين بالمدينة افتتنوا برؤيا نومه. والثاني: أنه أُري بني أمية على المنابر، فساءه ذلك، فقيل له: إنها الدنيا يُعْطَوْنَها، فَسُرِّيَ عنه. فالفتنة هاهنا: البلاء، رواه علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب، وإِن كان مثل هذا لا يصح، ولكن قد ذكره عامة المفسرين.
وروى ابن الأنباري أن سعيد بن المسيّب قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على منابر، فشَقَّ ذلك عليه، وفيه نزل: {والشجرةَ الملعونةَ في القرآن}، قال: ومعنى قوله: {إِلا فتنةً للناس}: إِلا بلاءً للناس، قال ابن الأنباري: فمن ذهب إِلى أن الشجرة رجال رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يصعدون على المنابر، احتج بأن الشجرة يكنى بها عن المرأة لتأنيثها، وعن الجماعة لاجتماع أغصانها. قالوا: ووقعت اللعنة بهؤلاء الذين كنى عنهم بالشجرة. قال المفسرون: وفي الآية تقديم وتأخير، تقديره: وما جعلنا الرؤيا والشجرة إِلا فتنة للناس.
وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها شجرة الزَّقُّوم، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومسروق، والنخعي، والجمهور. وقال مقاتل: لما ذكر الله تعالى شجرة الزَّقُّوم قال أبو جهل: يا معشر قريش إِن محمداً يخوِّفكم بشجرة الزَّقُّوم، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر؟ ومحمد يزعم أن النار تنبت الشجر، فهل تدرون ما الزقوم؟ فقال عبد الله بن الزِّبَعْرَى: إِن الزَّقُّوم بلسان بَرْبَر: التمر والزُّبْد، فقال أبو جهل: يا جارية ابغينا تمراً وزُبداً، فجاءته به، فقال لمن حوله: تَزَقَّمُوا من هذا الذي يخوِّفكم به محمدٌ، فأنزل الله تعالى: {ونخوِّفهم فما يَزِيدُهم إِلا طغياناً كبيراً}. قال ابن قتيبة: كانت فتنتهم بالرؤيا قولهم: كيف يذهب إِلى بيت المقدس، ويرجع في ليلة؟! وبالشجرة قولهم: كيف يكون في النار شجرة؟!
وللعلماء في معنى {الملعونة} ثلاثة اقوال. أحدها: المذمومة، قاله ابن عباس. والثاني: الملعون آكلُها، ذكره الزجاج، وقال: إِن لم يكن في القرآن ذِكْر لعنها، ففيه لعن آكليها، قال: والعرب تقول لكل طعام مكروه وضارٍّ: ملعون؛ فأما قوله: {في القرآن} فالمعنى: التي ذكرت في القرآن، وهي مذكورة في قوله: {إِن شجرة الزَّقُّوم طعام الأثيم} [الدخان: 43، 44]. والثالث: أن معنى {الملعونة}: المُبعَدة عن منازل أهل الفضل، ذكره ابن الانباري. والقول الثاني: أن الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر، يعني: الكَشُوثى، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: أن الشجرة كناية عن الرجال على ما ذكرنا عن سعيد بن المسيّب.
قوله تعالى: {ونخوِّفهم} قال ابن الأنباري: مفعول {نخوِّفهم} محذوف، تقديره: ونخوِّفهم العذاب، {فما يزيدهم} أي: فما يزيدهم التخويف {إِلا طغياناً}؛ وقد ذكرنا معنى الطغيان في [البقرة: 15]، وذكرنا هناك تفسير قوله: {وإِذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إِلا إِبليس} [البقرة: 34].


قوله تعالى: {آسْجُدُ} قرأه الكوفيون: بهمزتين. وقرأه الباقون: بهمزة مطوَّلة؛ وهذا استفهام إِنكار، يعني به: لم أكن لأفعل.
قوله تعالى: {لمن خلقتَ طيناً} قال الزجاج: {طيناً} منصوب على وجهين. أحدهما: التمييز، المعنى: لمن خلقتَه من طين. والثاني: على الحال، المعنى: أنشأتَه في حال كونه من طين. ولفظ {قال أرأيتَك} جاء هاهنا بغير حرف عطف، لأن المعنى: قال آسجد لمن خلقتَ طيناً، وأرأيتَكَ، وهي في معنى: أخبرني، والكاف ذُكرت في المخاطبة توكيداً، والجواب محذوف، والمعنى: أَخبِرني عن هذا الذي كرَّمت عليَّ، لم كرَّمتَهُ عليَّ وقد خلقتَني من نار وخلقتَه من طين؟! فحذف هذا، لأن في الكلام دليلاً عليه.
قوله تعالى: {لئن أَخَّرْتَنِ إِلى يوم القيامة} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: {أخرتني} بياء في الوصل. ووقف ابن كثير بالياء. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، بغير ياء في وصل ولا في وقف.
قوله تعالى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِيَّتَهُ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لأَستولِيَنَّ عليهم، قاله ابن عباس، والفراء.
والثاني: لأُضِلَّنَّهم، قاله ابن زيد.
والثالث: لأَستأصلنَّهم؛ يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض: إِذا أكله؛ واحْتَنَكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إِذا استقصاه، فالمعنى: لأَقودنَّهم كيف شئتُ، هذا قول ابن قتيبة.
فإن قيل: من أين عَلِمَ الغيب. فقد أجبنا عنه في سورة [النساء: 119].
قوله تعالى: {إِلا قليلاً} قال ابن عباس: هم أولياء الله الذين عصمهم.
قوله تعالى: {قال اذهب} هذا اللفظ يتضمن إِنظاره؛ {فمن تبعك}، أي: تبع أمرك منهم، يعني: ذرية آدم. والموفور: الموفَّر. قال ابن قتيبة: يقال: وفَّرْتُ ماله عليه، ووَفَرْتُه، بالتخفيف والتشديد.
قوله تعالى: {واستَفْزِز مَن استطعتَ منهم} قال ابن قتيبة: اسْتَخِفَّ، ومنه تقول: استَفَزَّني فلان.
وفي المراد بصوته قولان. أحدهما: أنه كل داعٍ دعا إِلى معصية الله، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الغناء والمزامير، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {وأَجْلِب عليهم} أي: صِح {بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ} واحثثهم عليهم بالإِغراء؛ يقال: أجلبَ القوم وجلَّبوا: إِذا صاحوا. وقال الزجاج: المعنى: اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك؛ فعلى هذا تكون الباء زائدة. قال ابن قتيبة: والرَّجْلُ: الرَّجَّالة؛ يقال: رَاجِلٌ ورَجْل، مثل تاجر وتَجْر، وصاحِب وصَحْب. قال ابن عباس: كلّ خيل تسير في معصية الله، وكلّ رَجُل يسير في معصية الله. وقال قتادة: إِن له خيلاً ورَجْلاً من الجن والإِنس. وروى حفص عن عاصم: {بخيلك ورَجِلِكَ} بكسر الجيم، وهي قراءة ابن عباس، وابي رزين، وأبي عبد الرحمن السُّلَمي. قال أبو زيد: يقال: رَجُلٌ رَجِلٌ: للراجل، ويقال: جاءنا حافياً رجِلاً. وقرأ ابن السميفع، والجحدري: {بخيلك ورُجَّالك} برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعكرمة: {ورِجَالك} بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف.
قوله تعالى: {وشاركهم في الأموال} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنها ما كانوا يحرِّمونه من أنعامهم، رواه عطية عن ابن عباس. والثاني: الأموال التي أصيبت من حرام، قاله مجاهد.
والثالث: التي أنفقوها في معاصي الله، قاله الحسن.
والرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
فأما مشاركته إِياهم في الأولاد، ففيها أربعة أقوال.
أحدها: أنهم أولاد الزنا، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: الموؤودة من أولادهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه تسمية أولادهم عبيداً لأوثانهم، كعبد شمس، وعبد العزى، وعبد مناف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والرابع: ما مَجَّسُوا وهوَّدُوا ونصَّرُوا، وصبغُوا من أولادهم غير صبغة الإِسلام، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {وعِدْهم} قد ذكرناه في قوله: {يعدهم ويمنِّيهم...} إِلى آخر الآية [النساء: 120]. وهذه الآية لفظها لفظ الأمر، ومعناها التهديد، ومثلها في الكلام أن تقول للانسان: اجهد جهدك فسترى ما ينزل بك. قال الزجاج: إذا تقدم الأمرَ نهيٌ عما يؤمر به، فمعناه التهديد والوعيد، تقول للرجل: لا تدخُلَنْ هذه الدار؛ فاذا حاول أن يدخلها قلت: ادخُلها وأنت رجل، فلستَ تأمره بدخولها، ولكنك تُوعِده وتهدِّده، ومثله {اعملوا ما شئتم} [فصِّلت: 40]، وقد نُهُوا أن يعملوا بالمعاصي. وقال ابن الانباري: هذا أمر معناه التهديد، تقديره: إِن فعلت هذا عاقبناك وعذَّبناك، فنقل إِلى لفظ الأمر عن الشرط، كقوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29].
قوله تعالى: {إِن عبادي ليس لك عليهم سلطان} قد شرحناه في [الحجر: 42].
قوله تعالى: {وكفى بربك وكيلاً} قال الزجاج: كفى به وكيلاً لأوليائه يعصمهم من القبول من إِبليس.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13